المادة    
حديث الإدلاء يكثر كلام الناس عنه، ويستدل به المؤولون من الأشعرية والمعتزلة والجهمية وغيرهم، ويقولون: هذا دليل على أن أهل السنة حشوية ومشبهة ومجسمة .. إلى آخر ما يقولون، ولا سيما وقد رواه إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله تعالى عليه، ورواه كذلك الترمذي رحمه الله تعالى.
يقول شيخ الإسلام: "وحديث الإدلاء الذي روي من حديث أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما؛ قد رواه الترمذي وغيره من حديث الحسن البصري عن أبي هريرة، وهو منقطع؛ فإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، ولكن يقويه حديث أبي ذر المرفوع".
ورواية الحسن عن أبي هريرة في سنن الترمذي؛ يقول الترمذي: حدثنا عبد بن حميد وغير واحد -المعنى واحد- قالوا: أخبرنا يونس بن محمد أخبرنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة، قال: حدث الحسن عن أبي هريرة قال: { بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه، إذ أتى عليهم سحاب، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: هل تدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا العنان؛ هذه روايا الأرض} العنان يطلق على السحاب في اللغة، والروايا جمع راوية وهي: القربة التي يكون فيها الماء.
يقول صلى الله عليه وسلم: { هذا العنان؛ هذه روايا الأرض؛ يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه، ثم قال: هل تدرون ما فوقكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها الرقيع؛ سقف محفوظ وموج مكفوف، ثم قال: هل تدرون كم بينكم وبينها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: بينكم وبينها خمسمائة سنة، ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن فوق ذلك سماءين ما بينهما مسيرة خمسمائة عام، حتى عدَّ سبع سماوات ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض، ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن فوق ذلك العرش، وبينه وبين السماء -يعني السماء العليا- بعد ما بين السماءين، ثم قال: هل تدرون ما الذي تحتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها الأرض، ثم قال: هل تدرون ما الذي بعد ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن تحتها أرضاً أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة، حتى عد سبع أرضين، بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل -ولهذا سمي هذا الحديث حديث الإدلاء- إلى الأرض السفلى، لهبط على الله، ثم قرأ: ((هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))[الحديد:3]}.
قال الترمذي رحمه الله: هذا حديث غريب من هذا الوجه، ويروى عن أيوب، ويونس بن عبيد، وعلي بن زيد، قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة -أي لم يلق أبا هريرة- وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقالوا: إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه.. وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان، وهو على العرش كما وصف في كتابه".
والترمذي رحمه الله حاله كحال أئمة السنة جميعاً من الصحابة والتابعين، وكأن الترمذي بكلامه يعترض على ما قاله هؤلاء الذين ثقل قولهم في معنى الحديث، ومع هذا فالحديث غير ثابت؛ ففيه انقطاع بين الحسن وأبي هريرة، يقول شيخ الإسلام: "وهو منقطع؛ فإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة".
والإمام أحمد رحمه الله رواه من حديث أبي هريرة أيضاً في الجزء الثاني صفحة (370) من المسند بنفس السند أيضاً.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "ولكن يقويه حديث أبي ذر المرفوع".
وقد ورد حديث أبي ذر في كتاب العرش للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وهو الحديث السابع عشر، يقول: "حدثنا إبراهيم بن أبي معاوية، وهناد قالا: أبو معاوية عن الأعمش عن أبي نصر عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما بين الأرض إلى السماء مسيرة خمسمائة سنة، غلظ كل سماء خمسمائة سنة، وما بين كل سماء إلى السماء التي تليها مسيرة خمسمائة سنة، والأرضين مثل ذلك، وما بين السماء السابعة إلى العرش مثل جميع ذلك كله}.
يقول المحقق: ضعيف أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات صفحة (506)، ورواه عنه الجوزقاني في الأباطيل صفحة (63)، وابن الجوزي في العلل المتناهية، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ؛ يقول: وزادوا: {ولو حفرتم لصاحبكم ثم دليتموه لوجد الله ثمة}" فهو إذاً يوافق حديث أبي هريرة في ورود الإدلاء.
يقول: "قال البيهقي: وروي من وجه آخر منقطع عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً فذكره، وقال الذهبي في التذكرة: أبو نصر لا يعرف والخبر منكر، وقال في الميزان: أبو نصر عن أبي ذر لا يدرى من هو، روى عنه الأعمش خبر: {لو دليتم صاحبكم بحبل لهبط} قال: وأخرجه البزار، وأيضاً صاحب الأباطيل " إلى أن قال: "دون قوله: ولو حفرتم".
وعلى هذا فإن الحديث ضعيف، وهو منكر كما قال الذهبي رحمه الله.
وما دام هذا حاله فلا يقوي ذلك الحديث الضعيف؛ يراجع كتاب العرش وكتاب العلل المتناهية والتذكرة .
  1. توجيه حديث الإدلاء على فرض صحته